كتب ندى عيد – كيرلس عزت
يُعد الزواج واحدًا من أهم النظم الاجتماعية في بناء المجتمعات، فهو أساس بناء الأسرة، التي تُعتبر الوحدة الأساسية في المجتمع، كما يسهم في تطوير المجتمع، ويمثل جوهر استمرار الحياة البشرية. يتسم الزواج بالاستمرار والثبات النسبي، إلا أن العقود الأخيرة شهدت بعض التغيرات نتيجة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي شهدها المجتمع المصري، حيث غلبت التطورات المادية على الأبعاد الاجتماعية والنفسية المرتبطة بالزواج، وأصبح التركيز في الزمان الحالي يتجه نحو المظاهر المادية للزواج، حيث تنفق العائلات بجميع مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية مبالغ كبيرة على مراسم الزواج، مما يؤثر على المجتمع بشكل عام، وبدلاً من أن يكون الزواج رباطًا نفسيًا واجتماعيًا وعاطفيًا بين الزوجين وعائلتيهما، أصبح محور اهتمام الكثيرين يتمحور حول الجوانب المادية والمظاهر الخارجية للزواج.
تحليل لظاهرة المغالاة
وحلل أنور مقرب، الأخصائي الاجتماعي، أسباب المغالاة في تكاليف الزواج، حيث قال: إن المغالاة في طلبات الزواج انتشرت انتشارًا كبيرًا في السنوات الماضية، ويرجع ذلك إلى بعض العادات والتقاليد الاجتماعية، خاصة في المناطق الريفية، ويتمثل السبب الرئيسي وراء هذه المغالاة في رغبة العروس في مواكبة الفتيات الأخريات، ورغبتها في أن تكون الأفضل.
ولذلك يلجأ الأهل، وخاصة أم العروس في كثير من الأحيان، إلى القروض الصغيرة أو الاقتراض من الأقارب لتلبية هذه الطلبات المبالغ فيها، والتي لا تقتصر فقط على المواد الأساسية بل تمتد إلى مختلف الأشياء التي تعتبر ضرورية من وجهة نظرهم فقط، لتناسب بيئتهم ومجتمعهم المحيط.
التحديات المالية في الزواج
قالت (داليا.أ)، المقيمة بالمنوفية أنها تقوم بتجهيز ابنتها وتشتري أشياء باهظة الثمن، بهدف تقليد من حولها من الجيران والأقارب، وأضافت إنها تعتبر ذلك شيئًا يفتخر به، وهو المتعارف عليه في قريتها وبالقرى حولها، بل أنه يعتبر عيبًا على أهل العروس إذا تزوجت ابنتهم بأشياء أقل من جيرانها وأقاربها، وأوضحت أنه يُلزم أن تشتري أشياء لحماتها أيضًا من كل نوع مثل ثلاجة صغيرة وفريزر وأطقم حلل وملابس وملايات، وكشفت عن قائمة الأشياء التي اشترتها لابنتها، والتي من بينها ” 7 بطانية، 40 ملاية، 50 فوطة، 4 لحاف، 5 أطقم حلل، 3 شاشات تليفزيون، 2 غسالة، 2 طقم صيني ، و10 أطقم كوبايات “.
وفي سياق متصل، قالت (آية.أ)، وهي سيدة تقيم في الفيوم، إنها قامت بتزويج ابنتها وقامت بشراء عدد كبير من الأجهزة والديكورات التي لا داعي لها، ولكنها تعتبر ذلك شيئًا طبيعيًا ومتعارفًا عليه في القرية، كما أضافت أن زوجها يعمل في الخارج لتجهيز ابنتهما، وأنه لم يأخذ إجازة ليعود إلى مصر لمدة ثلاث سنوات حتى يستطيع تجهيز ابنته في خلال سنتين فقط، وحتى الآن لا تزال هناك بعض الديون عليهم، ويسافر الأب لسنوات طويلة لتسديد تلك الديون، وأكدت على أنها ستقوم بتجهيز أبنتيها بنفس الطريقة.
وأوضحت بعض الأشياء التي قامت بشرائها في جهاز ابنتها، من بينها ” 9 لحاف، 50 ملاية، 4 بطانية، 50 فوطة، 4 أطقم حلل، 2 فرن و ميكرويف، 2 شاشة تلفزيون، 7 طقم كاسات، 3 طقم صيني، 15 طقم كوبايات، 2 كارتونة صابون ومعطرات، و4 زرع صناعي للديكور “.
وقال “محمد علي “وهو احد سكان مدينة الفيوم مستنكرًا للمغالاة في جهاز العروسة: نجد مغالاة في جهاز العروسة، وتسعى كل فتاة أن تكون الأفضل من الأخرى في القرية ولذلك تقوم بشراء عدد كبير من الأجهزة ومستلزمات الزواج، وأضاف أن العبارة التي كانت السبب في دين كثير من الأسر هي “هو أنا أقل من فلانة”، والرد عليها يتمثل في شراء المزيد من الأشياء في الجهاز ولذلك تتراكم الديون والقروض على الأسرة، وتتزوج الفتاة في حين يجد الأهل أنفسهم في ورطة مالية، وقد يصل بهم الأمر إلى السجن.
تأثيرات المغالاة في الزواج
وتأتي المغالاة في طلبات الزواج بعواقب سلبية لا تقتصر على العروس وأهلها فقط، بل تؤثر أيضًا على الشباب وأهاليهم، فقد أشار أحد الشباب الذي تقدم لخطبة فتاة إلى أن مطالب أهلها كانت مبالغًا فيها للغاية، حيث طلبوا منه ما يقارب من 100 جرام من الذهب وبعض الطلبات الأخرى، ونتيجة لتلك المطالب المبالغ فيها، قرر الشاب البحث عن مصدر آخر لزيادة دخله، فبدأ بالعمل مع إحدى شركات الشحن وقام بشراء دراجة نارية، لكن بعد عدة أشهر من العمل، تعرضت الدراجة للسرقة، مما أدى إلى تراكم الديون عليه، حينها قررت والدته شراء بعض الأجهزة الكهربائية عن طريق التقسيط ثم بيعها لمساعدته في تسديد ديونه، ولكن تراكمت عليها الديون بسبب عدم استقرار الأسعار، مما أدى في النهاية إلى وقوعها في مشكلة مالية، وانتهى بها الأمر في السجن بسبب تراكم الديون، وهكذا، يظهر كيف تؤثر المطالب المبالغ فيها في طلبات الزواج على حياة العديد من الأشخاص وتؤثر على حياة العائلات بشكل كبير
جهود المؤسسات الخيرية
تعمل الجمعيات على تقديم الدعم والمساعدة للأهالي غير القادرين على توفير احتياجات بناتهم، بالإضافة إلى دعم الفتيات اليتامى الذين يواجهون تحديات كبيرة في بناء مستقبلهم. على سبيل المثال، تقدم جمعية رسالة في الدقهلية دعمًا متكاملاً للفتيات المقبلات على الزواج، حيث تسهم في توفير الاحتياجات الأساسية التي قد تحتاجها العروس في تأسيس منزل الزوجية، كما تهتم بالفتيات التي تنتمي إلى عائلات فقيرة لا تستطيع تجهيزهن بسبب ضيق الحال، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها وفاة الأب أو مرض أحد الوالدين أو الأخوة.
بالإضافة إلى ذلك، تقدم المؤسسات الخيرية الدينية مثل مؤسسة “أتحبني” التابعة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية دعمًا ماليًا ومعنويًا كبيرًا للفتيات غير القادرات على تحمل تكاليف الزواج، فتتحمل المؤسسة التكاليف بالكامل بدءًا من توفير الأجهزة الكهربائية ووصولاً إلى فستان الزفاف، وتستمر هذه المؤسسة في تقديم الدعم حتى بعد الزواج، حيث تساعد بعض الحالات بمبالغ مالية لتخفيف العبء المالي عليهن.
وفي سياق متصل، قامت مجموعة حركة الكشافة المعروفة باسم “زهرة اللوتس” بجمع مبلغ مالي للتبرع به لشاب مقبل على الزواج، كمساعدة في إتمام عملية الزفاف، وتم جمع مبلغ مالي يقدر بحوالي 35000 جنيه من خلال التبرعات وتنظيم ماراثون، حيث كانت قيمة اشتراك اليوم 50 جنيهًا، وتم تحويل المبلغ بالكامل لصالح تلك الحالة.
مبادرة “لتسكنوا إليها”
وهكذا، يُظهر الواقع بوضوح أن المغالاة في جهاز العروسة ومتطلبات الزواج تشكل عبئًا كبيرًا على الأسر المصرية في كل مكان، حيث يتم تحويل الزواج من مفهوم يبنى على المودة والرحمة إلى مجرد صفقة تجارية تهدد استقرار الأسر وتفرض عبئاً مالياً لا يُحتمل على الشباب وأسرهم.
وفي هذا الصدد، قام الأزهر الشريف بإطلاق مبادرة “لتسكنوا إليها” تحت توجيهات شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، وتهدف هذه المبادرة إلى محاربة العادات التي يتوارثها الأجيال في الزواج، مثل المبالغة في تكاليف الزواج والطلبات التي يفرضها الآباء على الشباب.وتضمنت مبادرة “لتسكنوا إليها” دعوة عامة لجميع المواطنين في مختلف محافظات مصر للتخلي عن تلك العادات التي تعيق قدرة الشباب على تأسيس أسرهم وبناء مستقبلهم، ومن المقرر أن تنتشر هذه المبادرة بين الناس عن طريق رجال الأزهر في جميع أنحاء مصر، وسيتم متابعتها بواسطة الأمانة العامة للدعوة والإعلام الديني.