التقاعد في مصر .. استراحة أم بداية المعاناة؟

كيف يخطط المصريون لفترة التقاعد ؟

alhassala-news.com By alhassala-news.com
8 Min Read
Highlights
  • نصائح حول استثمار مكافأة نهاية الخدمة وتحديات الإنفاق في ظل التضخم

كتبت دينا كرم – آية محمد

في ظل التحولات الاقتصادية والتحديات المالية الراهنة في مصر، يجد المواطن المصري نفسه أمام مهمة صعبة وهي الاستعداد لفترة التقاعد، فأصبح تحديًا يتطلب تفكيرًا عميقًا وتكيفًا مع الظروف المالية المتغيرة، خاصة مع التحولات في الرواتب والاختلافات بين المرتبات والمعاشات

فأصبح يتعين على المواطن أن يفهم التحديات المحتملة وأن يضع خططًا مالية مستدامة لضمان استمرارية دخله بعد التقاعد، ومن المهم أن يكون واعيًا لأهمية التوفير والاستثمار في تلك الفترة، كما يتعين عليه أن يكون مستعدًا للتغيرات في نمط حياته المالية بين فترة العمل وفترة التقاعد، مع النظر في كيفية تحقيق التوازن بين تلبية احتياجاته الحالية وضمان استقراره المالي في المستقبل

وبالإضافة الى التحديات المالية التي تواجه المتقاعدين هناك أيضًا نوع آخر من التحديات يواجهونه وهي التحديات النفسية حيث أنه بعد سنوات طويلة من العمل والارتباط ببيئة العمل، يجد المتقاعدون أنفسهم في مرحلة جديدة وبعيدة تمامًا عن ما اعتادوا عليه طوال السنوات الماضية، ويواجهون تغييرات كبيرة في حياتهم اليومية، مما يمكن أن يؤثر على صحتهم النفسية

تلك الفترة بلا شك تأتي بتحديات نفسية كبيرة، حيث يمكن للمتقاعدين أن يشعروا بالعزلة والوحدة بسبب فقدانهم للتواصل اليومي مع زملاء العمل والبيئة الاجتماعية التي اعتادوا عليها، هذا الشعور بالفراغ قد يؤدي إلى الاكتئاب وتقلب الحالة المزاجية، مما يجعل من الصعب عليهم التكيف مع الحياة الجديدة بلا عمل

بالإضافة إلى ذلك، قد يصبح المتقاعدون عرضة لفقدان توازنهم النفسي، حيث يجدون صعوبة في تحديد معنى وهدف جديد لحياتهم بعد فترة العمل، ويمكن أن يشعروا بالضياع وعدم اليقين حول ما يجب عليهم فعله أو التوجه إليه في المستقبل

هذه التحديات النفسية يجب مواجهتها بعناية، حيث يحتاج المتقاعدون إلى دعم نفسي واجتماعي، يمكن أن يكون من خلال الاستعانة بالأصدقاء والعائلة، والمشاركة في أنشطة اجتماعية وتطوير هوايات جديدة وسبل التعبير عن الذات، واستكشاف فرص التطوع والمساهمة في المجتمع، والبحث عن دعم من الاختصاصيين النفسيين أو الاستشاريين الذين يمكنهم مساعدتهم في تخطي هذه المرحلة الانتقالية بنجاح وبناء حياة جديدة مليئة بالرضا والسعادة

 

تحديات التقاعد

وبالتحدث مع أحد المتقاعدين حول طقوسه للاستعداد للتقاعد قال محمد سالم، مدرس الفيزياء الذي خرج على المعاش في شهر 9/2023، إنه كان يتقاضى مرتبًا يصل بالحوافز إلى 7000 جنيه شهريًا، وبعد بلوغه سن المعاش وتقاعده عن العمل أصبح معاشه 3000 جنيهًا، أي أقل من نصف المرتب الذي كان يتقاضاه في الوظيفة، ولأنه فكر في أنه سيواجه أزمة مالية بعد خروجه على المعاش بسبب اختلاف قيمة الراتب والمعاش، قام بتجهيز محل ورثه عن والده ليكون خاصًا بالمستلزمات المنزلية، وذلك قبل بلوغه سن المعاش بعامين، وبذلك يصبح المحل مصدر رزقه الذي يمتلكه مع المعاش

وأضاف أن هذا التفكير أفاده في أن يستثمر ما تركه له والده، وأن ينتظر لحين بلوغه سن المعاش لكي يستفيد منه، لأنه كان من السهل بيعه في أي أزمة أو ضائقة مالية تعرض لها، ولكنه لم يستسلم لأنه كان يعلم أن كل شيء له وقت

وأكد على ضرورة أن يفكر كل شخص سيقدم على التقاعد في كيفية الاستعداد لهذه المرحلة، وكيف سيتكيف على الاختلاف بين المرتب والمعاش، حتى يتمكن من أن يعيش استقرارًا ماليًا إلى حد ما، ونصح كل شخص ألا يدخل في حالة نفسية سيئة بسبب الظروف الاقتصادية، لأن وجود الإنسان يعني استمرار العمل وطلب الرزق، حتى وإن بلغ سن المعاش يمكنه العمل بأي شكل آخر حتى خروج آخر نفس منه

وعندما تحدث “ع.م”، مدير عام الإدارة البيطرية بالدقهلية عن تجربته مع التقاعد قال إنه لم يجد شيئًا ليهيئ نفسه به للتقاعد، ولكنه كان يعلم قواعد العمل وأنه سيتقاعد عند سن الستين، وكان متصالحًا مع هذه الفكرة، ولكن على الرغم من تصالحه مع هذه الفكرة إلا أنه كان يشعر بالضيق في بداية الأمر بسبب اعتياده الدائم على العمل، ولكنه لم يستسلم لليأس والضيق، وكان يصارع تلك الفكرة بتطبيق الروتين الذي كان معتادًا عليه وقت العمل، حيث أنه  يفيق صباحًا كل يوم ويقوم بالعديد من الأنشطة حتى لا يشعر بفارق كبير بين أيام عمله وبين حياته أثناء التقاعد

أما عن الفرق بين المرتب والمعاش، فكان كبيرًا، حيث إن مرتبه كان يصل إلى 4500 جنيه، ومعاشه كان 2000 جنيه، فاستغرق فترة لكي يتأقلم على هذا الفرق وحتى يعيد التوازن المادي مرة أخرى لحياته، وبعد زيادات الدولة لقيمة المعاشات عاد الاستقرار المادي نوعًا ما إلى حياته، حيث أصبح معاشه الآن 6500 جنيه، وأضاف أنه كان يفكر في بدء مشروعٍ خاص به ليعينه على متطلبات الحياة، ولكن الظروف المحيطة به لم تسمح بذلك

 

استراتيجيات المواطن في التقاعد

وقال الدكتور محمد البهواشي، الخبير الاقتصادي، أن الخطوات الأساسية التي يمكن أن يتخذها المواطن العادي للتقاعد في ظل التحديات الاقتصادية الحالية هي أن يرتب ظروفه لمجابهة المستقبل

أولاً، من خلال التفكير في كيفية استغلال مكافأة نهاية الخدمة وكيفية استثمارها، ولكن في ظل التضخم الحالي الذي يلتهم القدرة الشرائية لدى المواطن، يُعتبر ذلك من أخطر التحديات التي تواجه أرباب المعاش، لأن قيمة المعاش تكون أقل بكثير من قيمة المرتب الذي يتقاضاه الموظف في حياته المهنية لذلك، يجب عليه ترتيب أولوياته، حيث يختلف الإنفاق في فترة المعاش تمامًا عن فترة العمل

وأضاف أن الالتزامات تختلف وتتفاقم، خاصة مع زيادة الأسعار. لذلك، على المواطن الاستثمار من مكافأة نهاية الخدمة، والتي يمكن أن يستفيد منها بعدة طرق، منها الودائع التي تُقدمها البنوك المصرية مثل شهادة الاستثمار الخاصة ببنك مصر والبنك الأهلي، ذات العائد المقدر ب ٢٧٪ فهذه تُعتبر مصدر دخل ثابت في ظل الظروف الحالية، كما أن من ضمن أساليب الاستثمار هو الاستثمار في أسهم الشركات التي لها جانب من التصدير مثل شركات الأسمدة فتعتبر ذات أرباح جيدة، لها دخل معقول حسب قيمة الأسهم التي يتم تداولها

وأشار إلى أن مكافأة نهاية الخدمة حتى وإن كانت قديما ذات قيمة، ويمكن أن ينتفع بها، ففي ظل هذه الظروف أصبحت ذات قيمة أقل، وبالكاد يمكن التصرف بها وفقًا لإحدى الاتجاهات المذكورة، ولكن إذا قام الأفراد بالتفكير قبل التقاعد بمدة واستطاعوا أن يرتبوا أولوياتهم، يمكن أن يدخروا مبلغًا من مرتبهم ليضيفوه فيما بعد لمكافأة نهاية الخدمة، ليصبح مبلغًا قيمًا يمكنهم من استخدامه في عمل مشروع أو الاستثمار بأي شكل يتلاءم مع أسلوب حياتهم وظروفهم

لذلك، يُعتبر التقاعد في مصر بداية لمرحلة جديدة قد تكون بداية لمعاناة، وقد تكون فترة استراحة من متاعب الحياة المهنية المرهقة، وبداية لتكوين شكل وأسلوب حياة مختلف ومريح يتناسب مع الإمكانيات المتاحة، فذلك يتوقف على حسب الإعداد الكافي والجيد لهذه المرحلة ووضعها في الاعتبار

Share This Article
Leave a comment